باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء
حدثنا قتيبة بن سعيد بن عبد الجبار نحوه، قال قتيبة: نا رفاعة بن يحيى بن عبد الله بن رفاعة بن رافع ، عن عم أبيه معاذ بن رفاعة بن رافع ، عن أبيه قال: «صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس رفاعة - لم يقل قتيبة رفاعة - فقلت: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه مباركا عليه، كما يحب ربنا ويرضى، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف فقال: من المتكلم في الصلاة،» ثم ذكر نحو حديث مالك، وأتم منه
كان النبي صلى الله عليه وسلم معلما رحيما رفيقا بأصحابه رضي الله عنهم، فكان إذا رأى خطأ لا يعنف ولا يزجر ولا ينفر، وإذا رأى صوابا مدحه وأثنى عليه وشكر له
وفي هذا الحديث يقول رفاعة بن رافع رضي الله عنه: "صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وفي رواية: "المغرب"، "فعطست"، أي: أثناء الصلاة، والعطاس: حالة تعتري الإنسان بغير قصد، وهي اندفاع الهواء من الأنف بعنف وصوت؛ لعارض ما، فقلت: "الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، مباركا عليه، كما يحب ربنا ويرضى"، أي: أحمد الله حمدا كثيرا، كثير الخير كثير البركة، "فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف"، أي: انتهى من صلاته، والتفت إليهم، فقال صلى الله عليه وسلم: "من المتكلم في الصلاة؟ "، أي: من الذي دعا في صلاته بمثل هذا الدعاء؟ قال رفاعة: "فلم يتكلم أحد"، أي: فلم يجب النبي صلى الله عليه وسلم أحد ممن كان يصلي معه؛ ظنا منهم أن سيتكلم فيمن قالها، "ثم قالها الثانية"، أي: أعاد سؤاله لهم: "من المتكلم في الصلاة؟ فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثالثة: من المتكلم في الصلاة؟ "، فقال رفاعة بن رافع ابن عفراء: "أنا، يا رسول الله"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كيف قلت؟ "، أي: كيف كان دعاؤك؟ قال رفاعة: "قلت: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، مباركا عليه، كما يحب ربنا ويرضى"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده"، أي: يقسم بالله عز وجل؛ وذلك لأن الله هو الذي يملك الأنفس، وكثيرا ما كان يقسم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا القسم، "لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكا أيهم يصعد بها"، أي: يتسارعون فيها، كلهم يريد أن يصعد بها إلى الله عز وجل، وذلك دليل على كثرة ثوابها وعظيم فضلها، والبضع: من ثلاثة إلى تسعة. ... قد ثبت هذا الحديث في صحيح البخاري وغيره: أن هذا الدعاء قيل بعدما رفع رأسه من الركوع، وليس من العطاس
وفي الحديث: بيان فضل الذكر والثناء على الله عز وجل
وفيه: أن من حسن التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد كما في قوله: "كما يحب ربنا ويرضى"