باب علامات النبوة في الإسلام 5
بطاقات دعوية
عن عبد الله قال: كنا نعد الأيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفا، كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فقل الماء، فقال:
"اطلبوا فضلة من ماء". فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء ثم قال:
"حي على الطهور المبارك، والبركة من الله".
فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.
الأُمورُ الخارِقةُ للعاداتِ تدُلُّ على قُدْرةٍ مُطلَقةٍ أكبَرَ مِن قُدْراتِ البَشَرِ، وتدُلُّ على أنَّ هناك إلَهًا قادرًا على الثَّوابِ والعِقابِ، والنَّفْعِ والضُّرِّ، واللهُ سُبحانَه وتعالَى يُنزِّلُ على عِبادِه الآياتِ والعَلاماتِ على مَرِّ العُصورِ بما يُبشِّرُهم، وما يُنذِرُهم.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبْدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم كانوا يَعُدُّونَ العَلاماتِ والمُعجزاتِ «بَرَكةً»، أي: خَيرًا مِنَ اللهِ ونَماءً، بيْنما كان النَّاسُ الَّذين يُحدِّثُهم يَعُدُّونَها عَذابًا وتَخْويفًا مِن اللهِ، ولعلَّ عبدَ اللهِ بنَ مسعودٍ هنا يَنْعى على النَّاسِ ما شاع فيهم بأنَّ كُلَّ المُعجِزاتِ والخَوارقِ إنَّما تَأْتي وتقَعُ للتَّعْذيبِ والعِقابِ، فبيَّنَ لهم أنَّهم كانوا على عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَعُدُّونَها نِعمةً وبَرَكةً، وإنْ كانتِ العَلاماتُ والمُعجزاتُ تَشمَلُ النَّوعَيْنِ؛ فمنها ما يَأْتي بالخَيرِ، ومنها ما يَأْتي بالشَّرِّ، ومنها ما يَحمِلُ البُشْرى، ومنها ما يَحمِلُ الإنْذارَ.
ثمَّ ضرَبَ لهم مَثلًا لمُعجزةٍ تدُلُّ على بَرَكةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخبَرَ أنَّهم كانوا مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَفرٍ، «فقَلَّ الماءُ»، أي: للوُضوءِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «اطْلُبوا فَضْلةً مِن ماءٍ»، أيِ: اطْلُبوا ممَّن معَه بَقيَّةٌ مِن الماءِ أنْ يَأْتيَ بها، فجاؤوا بإناءٍ فيه ماءٌ قَليلٌ، فأدخَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدَه في الإناءِ، ثمَّ قال: «حيَّ على الطَّهورِ المُبارَكِ»، أي: أقْبِلوا على الماءِ العَذْبِ الطَّهورِ الَّذي فيه البَرَكةُ مِن اللهِ، وقولُهُ: «والبَرَكةُ مِن اللهِ»، إشارةٌ إلى أنَّ هذه المُعجِزةَ مِنَ اللهِ، وقدْ أجْراها على يَدَيْ نَبيِّهِ، ولعَلَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ طلَب بَقيَّةَ الماءِ حتَّى لا يظُنَّ النَّاسُ أنَّه هو الموجِدُ للماءِ، فأرادَ أنْ يُعلِّمَهم أنَّ أصْلَ إيجادِ الماءِ منَ اللهِ، وإنَّما أجْرى اللهُ المُعجِزةَ على يَدَيْه إثْباتًا لنُبوَّتِه، وتَثْبيتًا لقُلوبِ النَّاسِ، ثمَّ قال ابنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه مُبيِّنًا الآيةَ والمُعجِزةَ: «فلقد رأيْتُ الماءَ يَنبُعُ»، أي: يَخرُجُ ويَفيضُ، ويَسيلُ مِن بيْنِ أصابِعِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وأخبَرَ ابنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ مِن المُعجِزاتِ أيضًا أنَّهم كانوا معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَسمَعونَ تَسبيحَ الطَّعامِ وهمْ يَأْكُلونَه.
وفي الحَديثِ: بَيانُ تَأْييدِ اللهِ نَبيَّه بالمُعجِزاتِ.
وفيه: أنَّ العالِمَ يُصحِّحُ المَفاهيمَ المَغْلوطةَ عندَ العَوامِّ.