‌‌باب في مكاتبة المشركين

سنن الترمذى

‌‌باب في مكاتبة المشركين

حدثنا يوسف بن حماد البصري قال: حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب قبل موته إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله» وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ": «هذا حديث حسن صحيح»

النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُكلَّفٌ بدَعوةِ النَّاسِ كافَّةً إلى الدُّخولِ في دِينِ الإسلامِ، ولذلك فقدْ بلَّغَ رِسالةَ ربِّه في مكَّةَ، ولمَّا اشتَدَّ عليه المشْرِكون أمَرَه اللهُ بالهجرةِ إلى المدينةِ، فلمَّا استَقرَّ له الأمرُ فيها -وكان ذلكَ في أوَّلِ السَّنةِ السَّابعةِ للهجرةِ بعْدَ أنْ أتَمَّ صُلحَ الحُدَيبيَّةَ- راسَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَن حَوْلَه مِن الملوكِ والأمراءِ ورُؤساءِ القبائلِ والعشائرِ يَدْعوهم إلى اللهِ تعالَى وإلى الإسلامِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أنَسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كتَب إلى مَلكِ الفُرسِ، ولَقبُه كِسْرَى، والصَّحابيُّ الَّذي أرسَلَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليه هو عبدُ اللهِ بنُ حُذافةَ السَّهميُّ رَضيَ اللهُ عنه. وكَتَب أيضًا إلى مَلكِ الرُّومِ، ولَقبُه قَيْصَرُ، والصَّحابيُّ المرسَلُ إليه هو دِحيةُ بنُ خَليفةَ الكَلْبيُّ رَضيَ اللهُ عنه، وكَتَب إلى مَلكِ الحبَشةِ، ولَقبُه النَّجَاشِيُّ، والصَّحابيُّ المرسَلُ إليه هو عمْرُو بنُ أُميَّةَ الضَّمريُّ رَضيَ اللهُ عنه.
وأيضًا كَتَب النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالرَّسائلِ إلى كلِّ جَبَّارٍ مِثْلِهم مُسلَّطٍ على النَّاسِ، وقاهرٍ لهم، ومنهم: المُقَوْقِسُ مَلِكُ مِصْرَ، وأرسَلَ إليه الصَّحابيَّ حاطبَ بنَ أبي بَلْتعةَ، والمُنْذِرُ بنُ سَاوَى حاكِمِ هَجَرَ، وبَعَث إلى جَيفَرِ وعبَّادٍ ابنَي الجلندي مَلِكَي عُمَانَ، وبَعَث إليهم الصَّحابيَّ عَمرَو بنَ العاصِ السَّهميَّ، والحَارِثُ بنُ أبي شِمْرٍ الغسَّانيُّ، وبعَثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الصَّحابيَّ سَلِيطَ بنَ عَمرٍو إلى ثُمامةَ بنِ أُثالٍ وهَوْذةَ بنِ عليٍّ صاحبَي اليَمَامَةِ، وغيرِهم، يَدعُوهم إلى اللهِ تعالَى، وإلى الدُّخولِ في الإسلام.
والنَّجَاشِيُّ الَّذِي كتَب إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليس النَّجَاشِيَّ الَّذِي صلَّى عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلاةَ الغائبِ، وإنَّما هو نَجاشيٌّ آخَرُ غيرُ هذا مِن مُلوكِ الحَبشةِ؛ إمَّا في جِهةٍ أُخرى، أو بعْدَ مَوتِ أَصْحَمةَ رَضيَ اللهُ عنه، وأمَّا الَّذي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عليه النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ ففي الصَّحيحينِ، عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه: «أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَعى النَّجاشيَّ في اليومِ الَّذي ماتَ فيه خَرَج إلى المُصلَّى، فصَفَّ بهم وكبَّر أربعًا»، فصَلَّى عليه صَلاةَ الغائبِ.
وفي الحديثِ: دَعوةُ غيرِ المسْلِمين إلى الإسلامِ، بما في ذلكَ مُلوكُهم وأُمراؤهم.