باب ما جاء في دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة من أعلاها وخروجه من أسفلها
سنن الترمذى
حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: «لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة دخل من أعلاها، وخرج من أسفلها» وفي الباب عن ابن عمر.: «حديث عائشة حديث حسن صحيح»
كان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم مُحبِّينَ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، مُقتفِينَ لآثارِه وسُنَنِه وأفعالِه، وكانوا حَريصينَ على وَصفِ أفعالِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في كلِّ مَكانٍ سافَرَ إليه.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَدخُلُ مَكَّةَ مِن الثَّنيَّةِ العُليا، والثَّنيَّةُ: كلُّ عَقَبةٍ في جبَلٍ أو طَريقٍ عالٍ، فالثَّنيَّةُ: الطَّريقُ العالي، والثَّنيَّةُ العُلْيا: هي التي يُنزَلُ منها إلى المَعْلاةِ مَقبرةِ أهلِ مكَّةَ بجَنْبِ المُحصَّبِ، وهي مَنطقةُ كَداءٍ، وهي التي يُقالُ لها: الحَجُونُ، وكانت صَعبةَ المُرتَقى، ثمَّ سُهِّلَت بعْدَ ذلك.
وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخرُجُ مِن مكَّةَ مِن الثَّنيَّةِ السُّفلى، والثَّنيةُ السُّفلى: اسْمُها كُدًى، وقد سُهِّلِت هذه الثَّنيةُ، وهي الآنُ في الشارعِ العامِّ المُوصِلِ إلى «جرول»، وخُصَّتِ العُليا بالدُّخولِ مُناسَبةً للمكانِ العالي الذي قَصَدَه، والسُّفلى للخروجِ مُناسَبةً للمكانِ الذي يَذهَبُ إليه.
وقيل: إنَّما فَعَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذه المُخالَفةَ في طَريقِه داخِلًا وخارِجًا؛ تَفاؤلًا بتَغيُّرِ الحالِ إلى أكمَلَ منه، كما فَعَلَ في العيدِ، ولِيَشهَدَ له الطَّريقانِ، ولِيَتبرَّكَ به أهْلُهما.