حديث أبي موسى الأشعري 136

مستند احمد

حديث أبي موسى الأشعري 136

 حدثنا القاسم بن مالك أبو جعفر، حدثنا عاصم بن كليب، عن أبي بردة قال: دخلت على أبي موسى في بيت ابنة أم الفضل، فعطست ولم يشمتني، وعطست فشمتها، فرجعت إلى أمي فأخبرتها، فلما جاءها قالت: عطس ابني عندك فلم تشمته، وعطست فشمتها فقال: إن ابنك عطس فلم يحمد الله تعالى؛ فلم أشمته، وإنها عطست فحمدت الله تعالى فشمتها، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه، وإن لم يحمد الله عز وجل فلا تشمتوه» فقالت: أحسنت. أحسنت

عَلَّمَنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كثيرًا مِن الآدابِ الَّتي يَنْبغي للمسْلمِ التَّحلِّي والتَّخلُّقِ بها
وفي هذا الحديثِ يَرْوي التَّابعي أبو بُردَةَ بنُ الصَّحابيِّ الجليلِ أَبي مُوسى الأَشعَريِّ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّه كان مَع أَبيه في بَيتِ زَوجتِه الثَّانيةِ أُمِّ كُلثومٍ بِنتِ الفَضلِ بنِ العبَّاسِ، وقدْ تَزوَّجَها أبو مُوسى بعْدَ فِراقِ الحسَنِ بنِ علِيٍّ لها، فعَطَسَ أَبو بُردَةَ فلم يُشَمِّتْه أبوهُ، وعَطَسَتْ أُمُّ كُلثومٍ فَشمَّتَها، والتَّشميتُ هُو أنْ يُقالَ لِلعاطِسِ: يَرحَمُك اللهُ، وهو دُعاءٌ له بالرَّحمةِ؛ وذلك لأنَّه كان مِن أهلِ الرَّحمةِ حيثُ عظَّمَ ربَّه بالحَمدِ على نِعمتِه وعَرَف قَدْرَها، وأصلُ التَّشمِيتِ: إزالةُ شَماتةِ الأعداءِ بالدُّعاء له، أي: أبْعَدَكَ اللهُ عن الشَّماتةِ، وجَنَّبَك ما يُشْمَتُ به عليكَ. أو أنَّه إذا حَمِد اللهَ أَدْخَلَ على الشَّيطانِ ما يَسُوؤُه، فشَمِتَ هو بالشَّيطانِ. وقيل: اشتقاقُه مِن الشَّوامتِ، وهي القوائمُ، كأنَّه دُعاءٌ للعاطسِ بالثَّباتِ على طاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ
فرَجَعَ أبو بَرْدةَ إلى بَيتِ أُمِّه زَوجةِ أبي مُوسى الأخرى، فأخبَرَها بأمرِ العُطاسِ والتَّشميتِ، فلمَّا جاءها زَوجُها أبو مُوسى رَضيَ اللهُ عنه راجَعَتْه وسَألَتْه عنِ السَّببِ في عَدمِ تَشميتِ ابنِه، فأجابَها أبو مُوسى رَضيَ اللهُ عنه أنَّ ابْنَها أبا بُرْدةَ لَمَّا عَطَس لم يَقُلِ: (الحمدُ للهِ)، أمَّا أُمُّ كُلثومٍ فقدْ قالتِ: (الحمدُ للهِ) بعْدَ عُطاسِها، وإنَّما التَّشميتُ لِمَن حَمِدَ اللهَ بعْدَ عُطاسِه؛ وذلك لقولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إِذا عَطَسَ أَحدُكم فحَمِدَ اللهَ، فَشمِّتُوه، فإِنْ لم يَحمَدِ اللهَ، فلا تُشَمِّتوه»، وهذا تَصريحٌ بأنَّ التَّشميتَ لا يكونُ إلَّا لِمَن تَلفَّظَ بالحمدِ
وفي الحديثِ: الحمدُ للعاطسِ، وتَشميتُه إذا عَطَسَ
وفيه: أنَّ الجزاءَ مِن جِنسِ العملِ؛ فكما أنَّ الحامدَ بعْدَ عُطاسِه يَستحِقُّ الدُّعاءَ له، فإنَّ الغافلَ عن الحمدِ لا يُدْعى له