حديث جبير بن مطعم 23
مسند احمد
حدثنا يعقوب، قال: حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، عن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم، عن عمه نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه جبير، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه، وإنه «لواقف على بعير له بعرفات مع الناس حتى يدفع معهم منها، توفيقا من الله له»
الحَجُّ رُكنٌ من أركانِ الإسلامِ له أركانٌ وواجِباتٌ وسُنَنٌ، ومن أعظَمِ أركانِ الحَجِّ وأهَمِّها الوُقوفُ بعَرَفةَ، بأن يَقِفَ الحاجُّ بعَرَفةَ ولو وقتًا يَسيرًا سَواءٌ كان في اللَّيلِ أوِ النَّهارِ
وقد قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: الحَجُّ عَرَفةُ. فمَن لم يَقِفْ بعَرَفةَ فقد فاتَه الحَجُّ. وقد كانت قُرَيشٌ وحُلَفاؤُها ومَن دانَ بدينِها -وهمُ الحُمْسُ، والأحمَسيُّ: المُتشَدِّدُ في دينِه- يَقِفونَ بالمُزدَلفةِ، ويَقولونَ: نَحنُ أهلُ اللهِ، وسُكَّانُ حَرَمِه، فلا نَترُكُ الحَرَمَ ولا نَخرُجُ مِنه، ويَستَعظِمونَ أن يَقِفوا مَعَ سائِرِ العَرَبِ بعَرَفاتٍ، لأنَّ عَرَفةَ مِنَ الحِلِّ وليس مِنَ الحَرَمِ، وسائِرُ النَّاسِ كانوا يَقِفونَ بعَرَفاتٍ، فإذا أفاضَ النَّاسُ مِن عَرَفاتٍ أفاضَ الحُمْسُ مِنَ المُزدَلفةِ، وكان الشَّيطانُ قدِ استَهواهم، فقال لهم: إنَّكُم إن عَظَّمتُم غَيرَ حَرَمِكُمُ استَخَفَّ النَّاسُ بحَرَمِكُم، فكانوا لا يَخرُجونَ مِنَ الحَرَمِ. ولهذا لَمَّا جاءَ الإسلامُ وحَجَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خالَفهم ووقَف في عَرَفةَ مَعَ النَّاسِ، كما قال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]، وقد وفَّقَ اللهُ تعالى نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَبلَ البَعثةِ وقَبلَ أن يَنزِلَ عليه الوحيُ، فوقَف مَعَ النَّاسِ بعَرَفاتٍ، يَقولُ جُبَيرُ بنُ مُطعِمٍ رَضِيَ اللهُ عنه: رَأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَبلَ أن يَنزِلَ عليه، أي: القُرآنُ أوِ الوَحيُ، يُريدُ أنَّ ذلك كان قَبلَ البَعثةِ وهو بمَكَّةَ، وقد جاءَ في رِوايةٍ أنَّ جُبَيرًا قال: أضلَلتُ بَعيرًا لي بعَرَفةَ، فذَهَبتُ أطلُبُه، فإذا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واقِفٌ، فقُلتُ: إنَّ هذا مِنَ الحُمْسِ، ما شَأنُه هاهنا؟! وإنَّه لواقِفٌ على بَعيرٍ له بعَرَفاتٍ مَعَ النَّاسِ، أي: مُخالِفًا بذلك عادةَ قَومِه قُرَيشٍ الذينَ كانوا لا يَقِفونَ بعَرَفاتٍ، وإنَّما يَقِفونَ بالمُزدَلفةِ تَرَفُّعًا عنِ النَّاسِ، وكان عامَّةُ النَّاسِ يَقِفونَ بعَرَفةَ، فوقَف صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَرَفةَ مَعَ العامَّةِ، حَتَّى يَدفعَ مَعَهم مِنها، أي: حَتَّى يَدفعَ مَعَ النَّاسِ مِن عَرَفاتٍ إلى مُزدَلفةَ، تَوفيقًا مِنَ اللهِ له، أي: أنَّ هذا مِن تَوفيقِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ له لفِعلِ الصَّوابِ، فلمَّا جاءَ الإسلامُ أمَر اللهُ قُرَيشًا بالإفاضةِ مِن عَرَفةَ كما يُفيضُ النَّاسُ
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ الوُقوفِ بعَرَفةَ
وفيه مَشروعيَّةُ الوُقوفِ بعَرَفاتٍ راكِبًا
وفيه تَوفيقُ اللهِ لنَبيِّه قَبلَ الوحيِ
وفيه إثباتُ حَجِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ووُقوفِه بعَرَفاتٍ قَبلَ الهِجرةِ