باب ما جاء في ترك الصلاة3
سنن الترمذى
حدثنا قتيبة قال: حدثنا بشر بن المفضل، عن الجريري، عن عبد الله بن شقيق العقيلي، قال: «كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة»: سمعت أبا مصعب المدني، يقول: " من قال: الإيمان قول يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه "
كان الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم يُعظِّمون شأْنَ الصَّلاةِ جدًّا كما تَعلَّموا مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فعَلِموا عِظَمَ إثْمِ تارِكِها، وشَناعَةَ جُرْمِه.
وفي هذا الأثرِ يقولُ التَّابعيُّ الجَليلُ عبدُ اللهِ بنُ شَقِيقٍ العُقَيلِيُّ: "كان أصْحابُ محمَّدٍ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لا يرَوْنَ شيئًا مِن الأعمالِ ترْكُه كفْرٌ غيْرَ الصَّلاةِ"، أي: إنَّهم لا يَعتقِدون بكُفْرِ مَن ترَك إحْدَى الفَرائِضِ وأَرْكانِ الدِّينِ إلَّا الصَّلاةَ، فيَعتقِدون أنَّ تَرْكَها كُفْرٌ، وهذا مَحمولٌ على مَن ترَكَها بالكُليَّةِ؛ لأنَّ مَن ترَكَ صلاةً أو صَلاتينِ لا يُقال له: ترَكَ الصَّلاةَ.
وأخرَج مالكٌ في المُوطَّأ وابنُ سَعدٍ في الطبقات وغيرُهما، أنَّ عُمرَ بنَ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه قال في مَجمعٍ مِن الصَّحابةِ:" إنَّه لا حَظَّ في الإسلامِ لِمَنْ أضاعَ الصَّلاةَ"، ولم يُنكروه عليه؛ فصارَ إجماعًا منهم.
وقدْ أجمَعَ المسلمونَ على أنَّ مَن جَحَدَ فرْضَ الصَّلاةِ كافرٌ كُفرًا أكبرَ مُخرِجًا مِن المِلَّة، ومِثلُه مِثلُ سائرِ الكفَّارِ باللهِ وملائكتِه وكُتبِه ورُسلِه، وأمَّا مَن تَركَها كسلًا وتهاونًا من غير جَحْدٍ لفَرْضِها؛ فقد اختَلفَ العلماءُ في حُكمِه، وأقربُ الأقوالِ في ذلك: أنَّ مَن تَرَكَها بالكليَّةِ تَهاونًا أو كسلًا، كافرٌ كفرًا مُخرِجًا من الملَّةِ، واستدلُّوا بإجماعِ الصَّحابةِ المذكورِ في هذا الحَديثِ وأدلَّةٍ أُخرى مِن القُرآنِ والسُّنَّةِ، كقولِ الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} فمَن ترَك الصلاةَ استحقَّ دُخولَ النَّارِ، ثم قال: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ} [مريم: 59]؛ فدلَّ على أنَّهم حين إضاعتِهم للصَّلاةِ واتِّباعِ الشَّهواتِ غيرُ مؤمنينَ، وقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الروم: 31]؛ فبَيَّن اللهُ عزَّ وجلَّ أنَّ علامةَ كَونِهم من المشركِينَ تَرْكُهم إقامةَ الصَّلاةِ، وقولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-كما في صَحيحِ مُسلمٍ-: "إنَّ بَينَ الرَّجُلِ وبينَ الشِّركِ والكُفرِ تَرْكَ الصَّلاةِ"، وهذا يَصدُقُ على مَن ترَكَها بالكليَّةِ، أمَّا مَن تَرَكَ صلاةً أو صَلاتَينِ فلا يُقال له: ترَكَ الصَّلاة، بل هو مُقصِّرٌ ووقَع في ذَنبٍ عَظيمٍ وهو على خَطرٍ كبيرٍ، ويَلْزَمُه التَّوبةُ وأداءُ الصَّلواتِ.
وفي الحديثِ: بيانُ أهمِّيَّةِ الصَّلاةِ، وخُطَرِ تَرْكِها.
وفيه: التَّفاوتُ في الحُكْمِ بين ترْكِ الصَّلاةِ، وغيْرِها مِن العِباداتِ.