باب: ومن سورة يونس3
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال: حدثنا خالد بن الحارث قال: أخبرنا شعبة قال: أخبرني عدي بن ثابت، وعطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، ذكر أحدهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر " أن جبريل جعل يدس في في فرعون الطين خشية أن يقول: لا إله إلا الله، فيرحمه الله «، أو» خشية أن يرحمه الله ": «هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه»
مِن أشَدِّ النَّاسِ كُفرًا على مَرِّ العصورِ فِرعَونُ الَّذي ذكَرَه اللهُ تعالى في القرآنِ؛ فقَد نازعَ اللهَ عزَّ وجلَّ في الألوهيَّةِ، وأوهَم مَن يَحكُمُهم بذلك، وقتَل النَّاسَ في سبيلِ ذلك.
وفي هذا الحديثِ يقولُ الرَّسولُ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لَمَّا أغرَقَ اللهُ فِرْعونَ، قال: آمنتُ أنَّه لا إلهَ إلَّا الَّذي آمنَت به بَنو إسرائيلَ"، أي: إنَّه زعَم عِندَ الغرَقِ أنَّه آمَن أنَّه لا إلهَ إلَّا الَّذي آمنَت به بَنو إسرائيلَ، وهو اللهُ سبحانه وتعالى، ولكنْ قال اللهُ له: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} [يونس: 91]، أي: أتَقولُها عندَ الغرَقِ والاضطِرارِ ومُعايَنةِ العذابِ؟! وفيه إشارةٌ إلى قولِه تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 85]؛ ولذا بادَر جِبريلُ بإسكاتِه قبلَ أن يُكرِّرَها، ويُصرِّحَ بها، "فقال جبريلُ: يا محمَّدُ، فلو رأيتَني وأنا آخُذُ مِن حالِ البحرِ"، أي: طينِه، "فأَدُسُّه في فِيه"، أي: أُدخِلُه في فَمِه لِأُسكِتَه؛ "مَخافةَ أن تُدرِكَه الرَّحمةُ"، أي: أن يَقولَ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فتُدرِكَه الرَّحمةُ، ولعلَّه لشِدَّةِ كُفرِ وعُتوٍّ فِرْعونَ فعَل جِبريلُ عليه السَّلامُ معه ذلك، وإلَّا فإنَّ فِرْعونَ آمَن في أثناءِ هَلاكِه، والتَّوبةُ في أثناءِ خُروجِ الرُّوحِ أو مُعايَنةِ الكافرِ لهلاكِه لا تُقبَلُ، فكأنَّ فِعْلَ جِبْريلَ لِمَزيدٍ مِن الاحتِرازِ أن يَرحَمَه اللهُ.
وفي الحديثِ: بيانُ سَعةِ رَحْمةِ اللهِ تعالى على جَميعِ خَلْقِه؛ إذ دسَّ جِبريلُ الطِّينَ في فَمِ فِرْعونَ لذلك.