‌‌باب ما جاء في كراهية أن تسافر المرأة وحدها

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في كراهية أن تسافر المرأة وحدها

حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها، أو أخوها، أو زوجها، أو ابنها، أو ذو محرم منها» وفي الباب عن أبي هريرة، وابن عباس، وابن عمر. هذا حديث حسن صحيح. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تسافر المرأة مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم»، والعمل على هذا عند أهل العلم: يكرهون للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم، واختلف أهل العلم في المرأة إذا كانت موسرة ولم يكن لها محرم، هل تحج؟ فقال بعض أهل العلم: لا يجب عليها الحج لأن المحرم من السبيل لقول الله عز وجل: {من استطاع إليه سبيلا} [آل عمران: 97]، فقالوا: إذا لم يكن لها محرم فلا تستطيع إليه سبيلا، وهو قول سفيان الثوري، وأهل الكوفة، وقال بعض أهل العلم: إذا كان الطريق آمنا فإنها تخرج مع الناس في الحج، وهو قول مالك، والشافعي
‌‌_________‌‌

حَرَص الإسلامُ على سَلامةِ المرأةِ وحِفْظِها مِن كلِّ سُوءٍ؛ لأنَّها مَخلوقٌ ضعيفٌ، ومرغوبٌ فيها؛ ولذلك شرَع ما يَحفَظُها، وأوجَبَ على المجتمَعِ المسلمِ أن يَرعَى حُقوقَها، وهي كذلك يجبُ أن تُحافِظَ على ما أعطاه الإسلامُ لها ولا تُهدِرَه.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا يحلُّ لامرأةٍ تُؤمِنُ بالله واليوم الآخر" أي: يَحْرُمُ على المرأةِ المؤمنةِ والمسلِمةِ، "أن تُسافِرَ سفرًا فوقَ ثلاثةِ أيامٍ فصاعِدًا، إلَّا ومَعَها أبوها، أو أخوها، أو زوجُها، أو ابنُها، أو ذو مَحْرَمٍ منها"، أي: يَحرُمُ أن تَبتَدِئَ سفَرًا معلومَ المدَّةِ أو المسافةِ، وتستغرقَ فيه ثلاثةَ أيامٍ أو أكثر- إلَّا ويكونُ معَها أحدُ مَحارمِها، مِن المذكورِين أو غيرِهم، والمَحْرَمُ: هو مَن لا يجوزُ للمَرأةِ أن تتزوَّجَه؛ كالأبِ، والابنِ، والأخِ، والعمِّ بالتَّأبيدِ؛ فلا يَدخُلُ في المَحْرَمِ زوجُ الأختِ ولا زوجُ العمَّةِ ولا الخالةِ، ونحوُهم ممَّن يَحِلُّ لهم الزَّواجُ منها لو فارَقَ زَوجتَه، ووجودُ الزَّوجِ أو المَحرمِ معها ليس لدَفْعِ الاعتداءِ عنها إن حدَث فقَط، وإنَّما أيضًا لدَفْع الرِّيبةِ والشَّكِّ عنها.
وقد ثبَت أيضًا في صَحيحِ البُخاريِّ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "لا يَحِلُّ لامرَأةٍ تُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ أن تُسافِرَ مسيرةَ يومٍ وليلةٍ ليس معها حُرْمةٌ"؛ فقيل: إنَّ اختِلافَ المدَّة هو لاختلافِ السَّائِلين، واختلافِ مَواطنِهم، وليس في النَّهيِ عن الثَّلاثةِ تصريحٌ بإباحةِ اليومِ واللَّيلةِ، وليس في هذا كلِّه تحديدٌ لأقلِّ ما يقَعُ عليه اسمُ السَّفرِ، ولم يَرِدْ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تحديدُ أقلِّ ما يُسمَّى سفرًا؛ فالحاصلُ: أنَّ كلَّ ما يُسمَّى سفرًا تُنهَى عنه المرأةُ بغيرِ زوجٍ أو مَحْرمٍ، سواءٌ كان ثلاثةَ أيامٍ أو يومَينِ أو يومًا أو بَرِيدًا أو غيرَ ذلك، والبَرِيدُ: هو مَسيرةُ نِصْفِ اليومِ.
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن سَفرِ المرأةِ ثلاثةَ أيَّامٍ أو أكثرَ بغيرِ مَحرمٍ معَها.
وفيه: حفظُ الإسلامِ لعِفَّةِ المرأةِ، وصِيانتُها عن كلِّ ما يُؤذيها، أو يُعرِّضُها للسُّوءِ أو الرِّيبةِ.