باب من فضائل أبي بن كعب وجماعة من الأنصار رضي الله تعالى عنهم
بطاقات دعوية
حديث أنس رضي الله عنه، قال: جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعة: كلهم من الأنصار؛ أبي، ومعاذ بن جبل، وأبو زيد، وزيد ابن ثابت
تكفل الله سبحانه بحفظ كتابه القرآن الكريم وعدم ضياعه، ومن صور حفظه أن يجعله منحوتا في صدور الناس يحفظون حروفه وألفاظه، كما أنزله الله سبحانه على نبيه
وفي هذا الحديث يخبر أنس بن مالك رضي الله عنه أن أربعة من الأنصار الكرام رضوان الله عليهم قد جمعوا القرآن، أي: حفظوه واستظهروه، وهم: أبي بن كعب بن قيس بن عبيد الأنصاري، النجاري البدري، سيد القراء، شهد العقبة، وبدرا، وجمع القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليه القرآن، وحفظ عنه علما مباركا، وكان رأسا في العلم والعمل. ومعاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري، البدري، أسلم وله ثمان عشرة سنة، وشهد العقبة شابا أمرد، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وزيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد الخزرجي، أسلم وهو ابن إحدى عشرة سنة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعلم خط اليهود؛ ليقرأ له كتبهم، ثم كان أحد كتبة الوحي، وهو شيخ المقرئين والفرضيين، ومفتي المدينة. وأبو زيد أحد أعمام أنس، وهو أبو زيد الأنصاري الخزرجي النجاري، غلبت عليه كنيته، يجتمع مع أنس في جدهما حرام، واختلف في تعيينه؛ فقيل: اسمه أوس، وقيل: ثابت بن زيد، وقيل: هو سعد بن عبيد بن النعمان الأوسي، يعرف بسعد القارئ، وقيل: غير ذلك؛ رضي الله عنهم جميعا
ولا يعني ذلك أن غيرهم من الصحابة الكرام لم يكن يحفظ القرآن؛ إذ ليس فيه تصريح بأن غير الأربعة لم يجمعه، ولعل مراده: أن الذين يعلمهم من الأنصار أربعة، فالمراد إثبات ما يعلمه لا نفي غيرهم من القراء؛ وذلك أنه ثبت في الأحاديث الصحيحة أن جماعات من الصحابة رضوان الله عليهم حفظوا القرآن، ومن أولئك: القراء الذين قتلوا يوم اليمامة، وعددهم سبعون صحابيا، فهؤلاء الذين قتلوا من جامعيه يومئذ؛ فكيف الظن بمن لم يقتل ممن حضرها، ومن لم يحضرها؟ ومن أولئك: أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ويدل على ذلك استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم له في مرضه بإمامة الناس، وغير ذلك
وقد ثبت تواتر القرآن الكريم بحفظ هؤلاء الأربعة وغيرهم له؛ لأن أجزاءه قد حفظ كل جزء منها خلائق لا يحصون، يحصل التواتر ببعضهم، وليس من شرط التواتر أن ينقل جميعهم جميعه، بل إذا نقل كل جزء عدد التواتر صارت الجملة متواترة بلا شك
وفي الحديث: فضيلة هؤلاء الأربعة من الأنصار رضي الله عنهم؛ لحفظهم لكلام الله تعالى، وجمعه في صدورهم
وفيه: إشارة إلى تباين معارف الصحابة رضي الله عنهم وميولهم؛ فمنهم من وفق لحفظ القرآن، كما أن منهم من وفق لحفظ الحديث، ومنهم من وفق وتميز في الجهاد والغزو، ومنهم من وفق وتميز في الفقه والفرائض، وهكذا في مجالات الحياة الأخرى؛ فعلى المسلم استغلال ما استودع الله فيه من مواهب وقدرات، لنفع نفسه، ومجتمعه، ودينه