باب ومن سورة الأنفال1
سنن الترمذى
حدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم ابن بهدلة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: لما كان يوم بدر جئت بسيف، فقلت: يا رسول الله، إن الله قد شفى صدري من المشركين - أو نحو هذا - هب لي هذا السيف، فقال: «هذا ليس لي ولا لك» فقلت: عسى أن يعطى هذا من لا يبلي بلائي، فجاءني الرسول فقال: «إنك سألتني وليس لي، وإنه قد صار لي وهو لك»، قال: فنزلت: {يسألونك عن الأنفال} [الأنفال: 1] الآية: «هذا حديث حسن صحيح» وقد رواه سماك بن حرب، عن مصعب، أيضا وفي الباب عن عبادة بن الصامت
شرَع الإسلامُ للقائدِ بعدَ الانتِصارِ في المعركةِ أن يَجعلَ نصيبًا مِن الغنيمةِ لبعض الجُندِ فوقَ نصيبِهم الأساسيِّ؛ كمُكافأةٍ على بُطولةٍ قاموا بها، أو عملٍ شاقٍّ قاموا به، أو لاستِبسالِهم في المعركةِ؛ وذلك مِن بابِ التَّحفيزِ والتَّشجِيعِ والتكريمِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ الصَّحابيُّ الجليلُ سَعْدُ بنُ أَبِي العَاصِ رَضِيَ اللهُ عنه: "جِئتُ إلى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم يومَ بَدْرٍ بِسَيْفٍ"، أي: ومعي سَيْف، "فقلتُ: يا رَسُولَ الله، إنَّ اللهَ قد شَفَى صَدْرِي اليومَ مِنَ العَدُوِّ"، أي: أراح صدرِي بانتِصارِنا على المُشرِكِينَ، "فهَبْ لي هذا السَّيْفَ"، أي: أَعطِني هذا السَّيفَ هِبَةً لي، "قال"، أي: النَّبِيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "إنَّ هذا السيفَ ليس لي ولا لك"، أي: إنَّ هذا السَّيفَ ليس لي ولا لك حقٌّ فيه، وكانَ ذَلكَ قبْلَ أنْ يُحِلَّ اللهُ الغَنيمةَ لِنبيِّهِ "فذهبتُ وأنا أقولُ"، أي: ذَهَب سَعْدٌ وهو يحدِّث نفسَه ويقول: "يُعطَاهُ اليومَ مَن لم يُبْلِ بَلائِي"، أي: يأخُذ هذا السيفَ رَجلٌ لم يفعلُ مِثلما فعلتُ في المعركةِ، "فبينما أنا إذْ جاءني الرَّسولُ"، أي: فبينما أنا جالِسٌ جاءني رجلٌ مِن عندِ رسولِ الله صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم يَطلُبُني، "فقال: أَجِبْ"، أي: رسولُ الله يَطلُبُك فأَجِبْه، "فظَنَنتُ أنَّه نزَل فيَّ شيءٌ"، أي: مِن القُرآنِ "بكلامي"، أي: بالقولِ الَّذِي قلتُه في حالِ غَضَبِي، "فجئتُ"، أي: إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم، فقال لي النَّبِيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "إنَّك سألتَني هذا السَّيفَ"، أي: طلبتَه منِّي "ولَيْس هو لي ولا لك"، أي: ولَيْس لي حقٌّ فيه ولا لك أيضًا، "وإنَّ اللهَ قد جَعَله لي"، أي: وقد أَنْزَل اللهُ قُرآنًا فخَصَّني بِجُزءٍ مِن الغَنِيمةِ فأصبَح السَّيفُ لي مِن نصيبي، "فهو لك"، أي: فقد وَهَبتُك إيَّاه، "ثُمَّ قرَأ" أي النَّبِيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}"، أي: يسألونك يا أيَّها الرسولُ، عن الغنائمِ لِمَن هي، فقل لهم: إنَّ الغَنائِمَ للهِ ولِلرَّسولِ يَضَعُها حيثُ شاء، "إلى آخِرِ الآيةِ"، أي: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[الأنفال: 1].
وفي الحَدِيثِ: بيانُ قِسمةِ الغنائمِ كَيْفما أمَر اللهُ عزَّ وجلَّ.
وفيه: بيانُ قصَّةِ بعضِ آياتِ سورةِ الأنفالِ وسببِ نُزولِه.