‌‌باب النهي عن ضرب الخدم وشتمهم2

سنن الترمذى

‌‌باب النهي عن ضرب الخدم وشتمهم2

حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا مؤمل قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي مسعود الأنصاري قال: كنت أضرب مملوكا لي، فسمعت قائلا من خلفي يقول: اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود، فالتفت، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لله أقدر عليك منك عليه» قال أبو مسعود: «فما ضربت مملوكا لي بعد ذلك»: هذا حديث حسن صحيح وإبراهيم التيمي هو إبراهيم بن يزيد بن شريك
‌‌

أمَرَ الإسلامُ بالإحسانِ إلى الخدَمِ والعبيدِ، وجَعَل مِن الكفَّاراتِ لبَعضِ الذُّنوبِ عِتقَ الرَّقيقِ والعبيدِ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أبو مَسعودٍ الأنصاريُّ أنَّه كان يَضرِبُ غُلامًا، أي: عبدًا مَملوكًا له، "بِالسَّوطِ": وهو آلةٌ للضَّربِ مَصنوعةٌ مِن جِلْدٍ ونحوِه، وبيْنما هو على هذه الحالةِ سَمعَ صوتًا مِن خلْفِه يقولُ له: «اعلَمْ أبا مسعودٍ» فَنادى عليه باسمِه ولكنَّه لم يَنتبِهْ له وَلَمْ يَفهَمْ ما اشتمَلَ عليه الصَّوتُ مِنَ الكلامِ؛ بسَببِ شِدَّةِ الغضَبِ، وفي رِوايةٍ لمسْلمٍ: أنَّ الغلامَ جَعَل يقولُ: «أعوذُ باللهِ -قال- فجَعَل يَضرِبُه، فقال: أعوذُ برَسولِ اللهِ، فتَرَكَه»، فلعلَّ أبا مَسعودٍ مِن شِدَّةِ غَضبِه على الغلامِ لم يَسمَعِ استِعاذتَه باللهِ تَعالَى؛ كما لم يَسمَعْ نِداءَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أو يكونُ لَمَّا استعاذَ الغلامُ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَنبَّهَ أبو مَسعودٍ لوُجودِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ ولذلك قال: «فلمَّا دنا» أي: قَرُبَ منه صاحبُ الصَّوتِ المُنادي عليه، وفي رِوايةٍ أُخرى لمسْلمٍ: «فالتفتُّ» أي: نظَرْتُ خَلْفي، فإذا هو رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وإذا هو يقولُ: «اعلمْ أبا مسعودٍ، اعلَمْ أبا مَسعودٍ» كرَّرَ نِداءَه عليه؛ لِيَنتبِهَ له، وللتَّأكيدِ على أهمِّيَّةِ ما يقولُ، فلمَّا رآهُ أبو مَسعودٍ، ألْقى السَّوطَ مِن يَدِه، وفي رِواية: «فَسقطَ مِن يدِي السَّوطُ مِن هيبَتِه» أي: مِن إجلالِه وتَعْظِيمه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ قال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «اعلمْ أبا مسعودٍ، أنَّ اللهَ تَعالَى أقدَرُ عليكَ منكَ على هذا الغلامِ» أي: إنَّ قُدرةَ اللهِ على تَعذيبِكَ أكثَرُ وأشدُّ مِن قُدرتِكَ على تَعذيبِ هذا العبْدِ، فاحْذَرِ انتقامَه سُبحانه، ولا تَحملْكَ قدرتُكَ على ذلكَ المملوكِ، أنْ تَتعدَّى فيما مَنعَ اللهُ منه، مِن ضرْبِه عُدوانًا، فلمَّا سَمِع أبو مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه قوْلَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وفَهِمَه قال: «لا أضرِبُ مملوكًا بعدَه أبدًا» بعْدَ هذا القولِ الَّذي سَمِعتُه منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ووردَ في روايةٍ أُخرى لمسلمٍ أنَّ أبا مسعودٍ أَعْتَقَ هذا المملوكَ، وقال: هو حرٌّ لوجهِ اللهِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أمَا لو لمْ تَفعَلْ للفَحَتْكَ النَّارُ، أو لمسَّتْك النَّار» أي: أحْرَقَتْكَ، أو أصابتْكَ؛ إذ ضَرَبْتَه ظُلمًا، ولم يَعْفُ عنك.
وفي الحَديثِ: حثُّ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الرِّفقِ بِالمملوكِ والتَّنبيهُ على استعمالِ العفوِ وكَظمِ الغيظِ.
وفيه: رعايةُ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِرعيَّتِه، ومُتابعتُه لِتصرُّفاتِهم، وإصلاحُ أخطائِهم.
وفيه: حِرْصُ الصِّحابةِ على الاستجابةِ لِمَطالبِ الشَّرعِ، ومُبادرتُهم بإصلاحِ خَطئِهم.
وفيه: أنَّ المرءَ يَنْبغي له أنْ يَذكُرَ عندَ سَورةِ غَضبِه مَقامَه في الآخرةِ بيْنَ يَدَي ربِّه، ويَستحضِرُ ذلك، حِين يَطلُبُ مِن اللهِ تَعالَى العفْوَ والغُفرانَ.